الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.فوائد لغوية وإعرابية: قال السمين:قوله: {لَّلَجُّواْ}: جواب لو. وقد توالى فيه لامان وفيه تَضْعيفٌ لقول مَنْ قال: إنَّ جوابها إذا نفي ب لم ونحوِها مِمَّا صُدِّر فيه حرفُ النفي بلام، إنه لا يجوزُ دخولُ اللامِ لو قلت: لو قام زيدٌ لَلَمْ يقم عمروٌ لم يَجُزْ قال: لئلاَّ يتوالى لامان. وهذا موجودٌ في الإِيجابِ كهذهِ الآية ولم يَمْنَعْ، وإلاَّ فما الفرقُ بين النفي والإِثباتِ في ذلك؟واللَّجاجُ: التَّمادِي في العِناد في تعاطي الفعلِ المزجورِ عنه. ومنه اللَّجَّة بالفتح لتردُّد الصوت كقوله:ولُجَّة البحرِ لتردُّدِ أمواجه. ولُجَّةُ الليلِ لتردُّدِ ظَلامِه. واللَّجْلَجَةُ تردُّدُ الكلامِ، وهو تكريرُ لَجَّ. ويقال: لَجَّ وأَلجَّ.{وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ (76)}.قوله: {فَمَا استكانوا}: قد تقدم قبلَه استكان في آل عمران. وجاء الأولُ ماضيًا، والثاني مضارعًا ولم يَجِيْئا ماضيين ولا مضارعين، ولا جاء الأول مضارعًا والثاني ماضيًا؛ لإفادةِ الماضي وجودَ الفعلِ وتحقُّقَه وهو بالاستكانةِ أليقُ بخلافِ التضرُّع، فإنه أخبر عنهم بنفي ذلك في الاستقبالِ. وأمَّا الاستكانةُ فقد تُوْجَدُ منهم. وقال الزمخشري: فإن قلت: هلاَّ قيل: وما تَضَرَّعوا فما يَسْتَكِيْنون. قلت: لأن المعنى مَحَنَّاهم فما وُجِدَتْ منهم عقيبَ المِحْنَةِ استكانةٌ، وما من عادةِ هؤلاء أَنْ يَسْتَكينوا ويتضرعوا حتى يُفْتَحَ عليهم بابٌ العذابِ الشديد. قلت: فظاهرُ هذا أنَّ حتى غايةٌ لنفيِ الاستكانةِ والتضرُّعِ.{حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (77)}.وقرئ: {فَتَّحنا} بالتشديدِ. والكلام في إذا و إذا قد تقدم قريبًا. وقرأ السُّلميُّ {مُبْلَسُوْن} بفتحِ اللامِ مِنْ أَبْلَسه أي: أدخله في الإِبْلاس. اهـ. .من لطائف وفوائد المفسرين: من لطائف القشيري في الآية:قال عليه الرحمة:{وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (75)}.أخبر عن صادق علمه بهم، وذلك صادر عن سابق حُكْمِه فيهم، فقال: لو كشفنا عنهم في الحال لم يفوا بما يعدون من أنفسهم من الإيمان في المآل، ولقد عَلِمَ أنهم سيكفرون، وحَكَمَ عليهم بأنهم يكفرون؛ إذ لا يجوز أن يكون حُكْمُه فيهم بخلافِ عِلْمه بهم.{وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ (76)}.أذقناهم مقدماتِ العذابِ دونَ شدائِده... تنبيهًا لهم، فما انتبهوا وما انزجروا ولو أنهم إذ رأوا العذاب فزعوا إلى التضرعِ والابتهالِ لأسرع اللَّهُ زواله عنهم، ولكنهم أصرُّوا على باطلهم، لِيَقْضِيَ اللَّهُ أمرًا كان مفعولاَ.{حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (77)}.لما أحللنا بهم أشدَّ العقوبات ضَعُفُوا عن تَحمُّلِها، وأُخِذُوا بغتةً، ولم ينفعهم ما قدَّموا من الابتهال، فَيَئِسُوا عن الإجابة، وعرَّجوا في أوطان القنوط. اهـ..تفسير الآيات (78- 83): قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (78) وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأرض وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (79) وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (80) بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ (81) قَالُوا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (82) لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (83)}.مناسبة الآية لما قبلها: قال البقاعي:ثم التفت إلى خطابهم، استعطافًا بعتابهم، لأنه عند التذكير بعذابهم أقرب إلى إيابهم، فقال: {وهو} أي ما استكانوا لربهم والحال أنه هو لا غيره {الذي أنشأ لكم} يا من يكذب بالآخرة، على غير مثال سبق {السمع والأبصار} ولعله جمعها لأن التفاوت فيها أكثر من التفاوت في السمع {والأفئدة} التي هي مراكز العقول، فكنتم بها أعلى من بقية الحيوانات، جمع فؤاد، وهو القلب لتوقده وتحرقه، من التفؤد وهو التحرق، وعبر به هنا لأن السياق للاتعاظ والاعتبار، وجمعه جمع القلة إشارة إلى عزة من هو بهذه الصفة، ولعله جمع الأبصار كذلك لاحتمالها للبصيرة.ولما صور لهم هذا النعم، وهي بحيث لا يشك غافل في أنه لا مثل لها، وأنه لو تصور أن يعطي شيئًا منها آدمي لم يقدر على مكافأته، حسن تبكيتهم في كفر المنعم بها فقال: {قليلًا ما تشكرون} لمن أولاكم هذه النعم التي لا مثل لها، ولا يقدر غيره على شيء منها، مع ادعائكم أنكم أشكر الناس لمن أسدى إليكم أقل ما يكون من النعم التي يقدر على مثلها كل أحد، فكنتم بذلك أنزل من الحيوانات العجم صمًا بكمًا عميًا.ولما ذكرهم بهذه النعم التي هي دالة على خلقهم، صرح به في قوله: {وهو} أي وحده {الذي ذرأكم} أي خلقكم وبثكم {في الأرض} ولما ذكرهم بإبدائهم المتضمن للقدرة على إعادتهم مع ما فيها من الحكمة وفي تركها من الإخلال بها، صرح بها فقال: {وإليه} أي وحده {تحشرون} يوم النشور.ولما تضمن ذلك إحياءهم وإماتتهم، صرح به على وجه عام فقال: {وهو} أي وحده {الذي} من شأنه أنه {يحيي ويميت} فلا مانع له من البعث ولا غيره مما يريده.ولما كانت حقيقة البعث إيجاد الشيء كما هو بعد إعدامه، ذكرهم بأمر طالما لا بسوه وعالجوه ومارسوه فقال: {وله} أي وحده، لا لغيره {اختلاف الليل والنهار} أي التصرف فيهما على هذا الوجه، يوجد كلًا منهما بعد أن أعدمه كما كان سواء، فدل تعاقبهما على تغيرهما، وتغيرهما بذلك وبالزيادة والنقص على أن لهما مغيرًا لا يتغير وأنه لا فعل لهما وإنما الفعل له وحده، وأنه قادر على إعادة المعدوم كما قدر على ابتدائه بما دل على قدرته وبهذا الدليل الشهودي للحامدين، ولذلك ختمه بقوله منكرًا تسبيبَ ذلك لعدم عقلهم: {أفلا تعقلون} أي يكون لكم عقول لتعرفوا ذلك فتعملوا بما تقتضيه من اعتقاد البعث الذي يوجب سلوك الصراط.ولما كان معنى الاستفهام الإنكاري النفي، حسن بعده كل الحسن قوله: {بل} وعدل إلى أسلوب الغيبة للإيذان بالغضب بقوله: {قالوا} أي هؤلاء العرب {مثل ما قال الأولون} من قوم نوح ومن بعده؛ ثم استأنف قوله: {قالوا} أي منكرين للبعث متعجبين من أمره: {أإذا متنا وكنا} أي بالبلى بعد الموت {ترابًا وعظامًا} نخرة، ثم أكدوا الإنكار بقولهم: {أإنا لمبعوثون} أي من باعث ما.ولما كان محط العناية في هذه السورة الخلق والإيجاد، والتهديد لأهل العناد، حكى عنهم أنهم قالوا: {لقد وعدنا} مقدمًا قولهم: {نحن وآباؤنا} على قولهم: {هذا} أي البعث {من قبل} بخلاف النمل، فإن محط العناية فيها الإيمان بالآخرة فلذلك قدم قوله هذا، والمراد وعد آبائهم على ألسنة من أتاهم من الرسل غير أن الإخبار بشموله جعله وعدًا للكل على حد سواء، ثم استأنفوا قولهم: {إن} أي ما {هذا إلا أساطير الأولين} أي كذب لا حقيقة له، لأن ذلك معنى الإنكار المؤكد. اهـ..من أقوال المفسرين: .قال الفخر: السؤال الثالث: العطف لا يحسن إلا مع المجانسة فأي مناسبة بين قوله: {وَهُوَ الذي أَنْشَأَ لَكُمُ السمع والأبصار} وبين ما قبله؟الجواب: كأنه سبحانه لما بين مبالغة أولئك الكفار في الأعراض عن سماع الأدلة ورؤية العبر والتأمل في الحقائق قال للمؤمنين، وهو الذي أعطاكم هذه الأشياء ووقفكم عليها، تنبيهًا على أن من لم يستعمل هذه الأعضاء فيما خلقت له فهو بمنزلة عادمها كما قال تعالى: {فَمَا أغنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أبصارهم وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ مّن شَيْء إِذْ كَانُواْ يَجْحَدُونَ بآيات الله} [الأحقاف: 26] تنبيهًا على أن حرمان أولئك الكفار ووجدان هؤلاء المؤمنين ليس إلا من الله.واعلم أنه سبحانه بين عظيم نعمه من وجوه: أحدها: بإعطاء السمع والأبصار والأفئدة وخص هذه الثلاثة بالذكر لأن الاستدلال موقوف عليها، ثم بين أنه يقل منهم الشاكرون، قال أبو مسلم وليس المراد أن لهم شكرًا وإن قل، لكنه كما يقال للكفور الجاحد للنعمة ما أقل شكر فلان وثانيها: قوله: {وَهُوَ الذي ذَرَأَكُمْ فِي الأرض} قيل في التفسير {خَلَقَكُمْ} قال أبو مسلم: ويحتمل بسطكم فيها ذرية بعضكم من بعض حتى كثرتم كقوله تعالى: {ذُرّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ} [الإسراء: 3] فنقول: هو الذي جعلكم في الأرض متناسلين، ويحشركم يوم القيامة إلى دار لا حاكم فيها سواه، فجعل حشرهم إلى ذلك الموضع حشرًا إليه لا بمعنى المكان وثالثها: قوله: {وَهُوَ الذي يُحيِ وَيُمِيتُ} أي نعمة الحياة وإن كانت من أعظم النعم فهي منقطعة وأنه سبحانه وإن أنعم بها فالمقصود منها الانتقال إلى دار الثواب ورابعها: قوله: {وَلَهُ اختلاف الليل والنهار} ووجه النعمة بذلك معلوم، ثم إنه سبحانه حذر من ترك النظر في هذه الأمور فقال: {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} لأن ذلك دلالة الزجر والتهديد وقرئ {أَفَلاَ يَعْقِلُونَ}.{بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ (81)}.اعلم أنه سبحانه لما أوضح القول في دلائل التوحيد عقبه بذكر المعاد فقال: {بَلْ قَالُواْ مِثْلَ مَا قَالَ الأولون} في إنكار البعث مع وضوح الدلائل ونبه بذلك على أنهم إنما أنكروا ذلك تقليدًا للأولين وذلك يدل على فساد القول بالتقليد، ثم حكى الشبهة عنهم من وجهين: أحدهما: قولهم: {أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وعظاما أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} وهو مشهور وثانيهما: قولهم: {لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَءابَاؤُنَا هذا مِن قَبْلُ} كأنهم قالوا إن هذا الوعد كما وقع منه عليه الصلاة والسلام فقد وقع قديمًا من الأنبياء، ثم لم يوجد مع طول العهد، فظنوا أن الإعادة تكون في دار الدنيا، ثم قالوا لما كان كذلك فهو من أساطير الأولين والأساطير جمع أسطار والأسطار جمع سطر أي ما كتبه الأولون مما لا حقيقة له، وجمع أسطورة أوفق. اهـ..قال الماوردي: قوله: {وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأرض}.فيه وجهان:أحدهما: خلقكم، قاله الكلبي ويحيى بن سلام.الثاني: نشركم، قاله ابن شجرة.قوله: {وَلَهُ اخْتِلاَفُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} فيه قولان:أحدهما: بالزيادة والنقصان.الثاني: تكررهما يومًا بعد ليلة وليلة بعد يوم.ويحتمل ثالثًا: اختلاف ما مضى فيهما من سعادة وشقاء وضلال وهدى. اهـ.
|